في مساء من أمسيات الطفولة، حين كنا نعود من المدرسة وننتظر بفارغ الصبر وقت الرسوم المتحركة، لم يكن الأمر مجرد صور تتحرك على الشاشة… كان هناك صوت يرافقنا، يزرع فينا قيماً، ويُغني مخيلتنا، ويترك في وجداننا بصمة لا تُمحى. ذلك الصوت كان صوت طارق العربي طرقان، الفنان السوري الذي أصبح جزءاً من الذاكرة الجماعية للجيل الذهبي من أطفال التسعينات والألفينات.
قصة بدأت من دمشق ووصلت لكل بيت عربي
طارق العربي طرقان لم يكن مجرد ملحن أو مؤدٍ، بل صانع عالم كامل من الأغاني التي صارت “تراتيل الطفولة”. من المحقق كونان، إلى الكابتن ماجد، ومن ريمي إلى داي الشجاع، أغانيه حملت رسائل عن الصداقة، الشجاعة، الأمل، والحلم.
في زمن لم تكن فيه الإنترنت حاضرة كما اليوم، كانت شارات الكرتون تلك تختصر دروس الحياة، وتبني القيم في عقول الأطفال بلغة بسيطة وألحان خالدة.
عائلة فنية… الامتداد الطبيعي للحلم
لم يتوقف المشوار عند طارق وحده، بل تحول إلى مشروع عائلي. أولاده ديما، تالا، محمد أصبحوا بدورهم أصواتاً مألوفة، يواصلون المسيرة ويُعيدون الروح إلى الأغاني التي رافقت طفولتنا. العائلة اليوم تقدم حفلات في مختلف أنحاء العالم العربي، حيث يجتمع الآباء والأبناء معاً في قاعة واحدة، يرددون نفس
الأغاني… في مشهد يجمع ثلاثة أجيال بذاكرة واحدة
شهادات من الجمهور
أحمد، رجل في العقد الرابع من عمره، كان من بين الحاضرين في الحفل، قال: “عندما سمعت أغنية ماوكلي، شعرت وكأنني أعود عشرين سنة إلى الوراء… وكأنني ما زلت ذلك الطفل الذي يحلم بالحرية في الغابة. كان التأثير عميقاً لدرجة الدموع
وتضيف وفاء شابة في عقدها الثالث قائلة
“أغاني طرقان لم تكن مجرد موسيقى، بل تربية غير مباشرة. علمتني معنى العدالة والصدق، وأعتقد أنها السبب في أن جيلي يملك كل هذا الحنين والوفاء.”
من التلفزيون إلى المسرح
اليوم، يتحول صوت طارق العربي طرقان من خلف الشاشة إلى خشبة المسرح. حفلاته ليست فقط موسيقية، بل طقوس نوستالجيا، لقاء مع الذات القديمة. عندما تصدح القاعة بـ”المحقق كونان” أو “الكابتن ماجد”، لا يغني الجمهور معه فقط… بل يعيشون طفولتهم من جديد.
ذاكرة مستمرة
“حفل الجيل الذهبي” يوم 3 سبتمبر بالمسرح الأثري بقرطاج، ليس مجرد عرض فني. هو لقاء بين الماضي والحاضر، بين الأهل الذين كبروا على تلك الأغاني والأبناء الذين يعرفونها من آبائهم أو من الإنترنت. هو مساحة يتقاطع فيها الحلم مع الذاكرة، حيث يلتقي صوت طارق وأسرته مع أجيال كاملة لترديد لحن واحد: “أبرقي أرعدي أبطالاً وعدوك أنبل وعد
نجوى الهمامي