عبد الباسط بن حسن ويسري مصطفى: استدامة الفضاء المدني مدخل للتنمية الإنسانية المستدامة
في العدد الثاني من الموسم الثاني لبرنامج آفاق مدنية الذي يعنى بالفضاء المدني وقضاياه في العالم العربي، استضاف محمد اليوسفي في فقرة النقاش رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان عبد الباسط بن حسن والخبيرالمصري في تطوير قدرات المجتمع المدني يسري مصطفى.
وقد كان موضوع هذه الحلقة سؤال الاستدامة بالنسبة للمجتمع المدني في ظّل التحولات السياسية والتحديات التشريعية والمالية والهيكليّة وغيرها.
يسري مصطفى: استدامة الفضاء المدني أهم من استدامة منظمات بعينها في المجتمع المدني
قال الخبير في تطوير قدرات المجتمع المدني يسري مصطفى إنّ مسألة استدامة المجتمع المدني ليست بسؤال جديد وارتبطت بميلاد المنظمات غير الحكومية الحديثة، مشيرا إلى أنّ السؤال يتفاقم الآن بشكل ملحّ أكثر بسبب وجود إشكاليات تتعلّق بتقلّص فضاء المجتمع المدني وموارده ومع وجود تهديد في المستقبل يتمثل في إمكانية أن تدخل الفضاءات المدنية كلّها في مرحلة أزمة طويلة المدى.
واعتبر مصطفى أن السؤال لا يتعلّق بالمنظمات بقدر ما يتعلّق بالفضاء المدني الذي قد يتآكل ويتمّ تعويضه بفضاءات أخرى مثل فضاءات الهوية والفضاءات السياسية والفضاء الالكتروني الذي لم يقع تحديد هويّته فيما يهمّ الجانب المدني والسياسي والعالمي والمحلّي.
وأكد أنّ الاستدامة مسألة صعبة نظرا إلى ارتباطها بعوامل متعدّدة كالسياق والمتغيّرات والموارد وطبيعة كلّ منظّمة من منظمات المجتمع المدني خاصّة أنّ هناك منظمات موجودة منذ ستينات القرن الماضي، مبرزا أن الحديث هنا لا يتعلق بالاستدامة بل بالبقاء إذ أن هناك منظمات لديها قدرة على البقاء حتّى لو لم تفعل شيئا لكنّها موجودة بحكم أن السياق يوفّر لها وجود سواء بالمعنى البيروقراطي أو الإيديولوجي.
وأضاف أن الاستدامة هو أكثر سؤال ملحّ بالنسبة للمنظمات التنموية وتلك التي تُعنى بحقوق الإنسان والتي هي حسّاسة جدّا للسياقات التي تحيط بها.
على صعيد آخر، أكّد الخبير في تطوير قدرات المجتمع المدني أنّ البيئة التشريعية لا تؤثّر على المجتمع المدني فحسب بل كذلك على المجتمعات السياسية والحركات الاجتماعية، مبيّنا أنّ الحرب التي بدأت ضدّ منظمات حقوق الإنسان على وجد التحديد كانت منذ البداية كانت حرب نزع الشرعية انطلاقا من فكرة التمويل الأجنبي.
وأوضح أنّ هذه الحرب شاركت فيها كلّ الأطراف لا الحكومية فقط بل أيضا الأطراف المحافظة والأطراف الإيديولوجية القومية وغيرها وكانت تتهم المجتمع المدني بالانتماء إلى الغرب من خلال تمويله، مبرزا أنّ القيود لم تكن ذات طبيعة قانونية فقط بل كانت أيضا ذات طبيعة سياسية وثقافية إلخ، رغم أنّ كلّ الأطراف كانت مستفيدة واحتكرت بعض القضايا التي طرحها المجتمع المدني كأنها هي تملكها.
وأشار يسري مصطفى إلى وجود إشكال حقيقي يجب التفكير فيه ويتمثّل في كون المجتمع المدني الممثل في المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجالات تنموية وحقوقية لم تنبع من سياقات محلّية، بل جاءت من مرجعيات دولية.
وذكّر بالتعبير السائد حينها “فكّر بشكل كوني واعمل على مستوى محلّي”، والذي خلق مجتمعا دوليّا فعليّا لا في الغرب فقط بل كذلك في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، ممّا أدّى إلى إرساء علاقات وشبكات ومنظّمات مجتمع مدني تُعنى كلّها قضايا كونية.
وأضاف مصطفى أن الفضاء المدني حيوي مثل أيّ فضاء آخر يخضع للموت والحياة، قائلا “ما نريد استدامته هو الفضاء المدني وليس بالضرورة منظمات بعينها”.
وبيّن أنّ هناك “قوّة عمل” يمكن أن يكون لديها مهمّة محدّدة ومن ثم تنتهي، معتبرا أنّه من أفضل الإنجازات التي تمّ تحقيقها قامت بها “قوى عمل” كان لها مهامّ محدّدة في أوقات محدّدة قامت بها وتركت أثرا طويل المدى تبنّاه آخرون ولكنّها هي ككيان انتهت وخُلقت كيانات أخرى.
وشدّد يسري مصطفى على ضرورة استدامة الفضاء المدني بحيويته وضرورة أن تكون له محرّكات هي التي يقع الحفاظ عليها، قائلا إنّ المعهد العربي لحقوق الإنسان هو ليس مجرّد منظمة بل هو محرّك مدني أي أنّه يخلق مضاعفين ومجموعات تعمل.
من جهة أخرى، قال مصطفى إنّه منذ بداية التحديث كان سؤال الشرعيّة مرتبطا بثنائية “نحن والأخر” و”الأصالة والمعاصرة” وعندما ظهر المجتمع المدني بمرجعية دولية وقع في مصيدة “الذات والآخر” والآخر دائما عدوّ ومهدّد، موضّحا أنّ أكثر قضية كانت تثير الجدل هي الأموال رغم أنّ أحدا لم يقم بدراسة لتحديد ما إذا كانت مصادر الأموال العربية أكثر خطورة على القضايا أو لا.
واعتبر أنّه بناء على تجربته فإن مصادر التمويل غير الموثوق فيها والتي تغيب فيها الشفافية كانت من الداخل وليست من الخارج، مبيّنا أن التمويل من الخارج يخضع إلى معايير وقوانين وشفافية خارجية، في حين أنّه لا توجد معلومات عن التمويل الداخلي وبالتالي هو أكثر خطورة باعتبار أنّه قد يكون موجّها سياسيا أو إيديولوجيّا إلخ.
وتابع قائلا إنّ فكرة الذات والآخر كانت المدخل الرئيسي لضرب منظمات المجتمع المدني لكنّ المفارقة أنّه في الوقت الذي تنزع المشروعية عن منظمات المجتمع المدني لتلقّي تمويلات أو حتّى الرجوع إلى المرجعية الكونية والدولية، كانت السلطات نفسها تحتكر هذه المرجعية وأصبحت منافسا للتمويل الدولي حيث باتت الهيئات الحكومية نفسها تحصل على التمويل الأجنبي وتدير برامج من خلاله مباشرة، على حدّ تعبيره.
وأشار يسري مصطفى إلى أنّه دائما ما يتمّ النظر إلى المنظمة الحكومية وكأنها دولة ولكنّها ليست كذلك وتعمل على نطاق ضيّق ومدى زمني قصير، مبيّنا أنّ المنظمات التي كانت أكثر تخصّصا كانت تحقّق تراكما لأنّ لها أجندة وحيدة، وأن الضغوط التي حصلت من الحكومات في علاقة بالتمويل جعلت المنظمات تلجأ إلى توزيع الأجندة من أجل البقاء، ممّا جعلها تفقد القدرة على التخصّص وبالتالي القدرة على التأثير.
وقال إنّه لو كانت الحكومات والأطر التشريعية تحافظ على حقّ المنظمات في الحصول على دعم لبرزت منظمات متخصّصة بشكل أكبر وهذه المنظمات المتخصّصة قادرة على إحداث تراكم على المدى الطويل.
وأضاف يسري مصطفى أن الدولة تأخذ ولا تعطي وفكرة أنها ستقدّم تمويلا لمنظّمة ستنتقدها وتطالبها بالشفافية والمواطنة فلن تفعل ذلك باعتبار أن الأمر ليس منطقيّا.
وأكّد أن الفضاء المدني هو فضاء حيوي ومسألة الاستدامة سؤال صعب وتطلّب أن يقع إدراك أن هناك شروطا يجب أن تتحقّق لضمان البقاء بشكل أفضل.
وأوضح أنّه للردّ على الابتزاز الذي يقع باسم التمويل الأجنبي ومحاولة حصر المجتمع المدني في كونه أجندة غربيّة على المجتمع المدني أن يبرز أنّ مرجعيّته كونية وله شركاء على المستوى الدولي لا في أمريكا وأوروبا فحسب بل في العالم الثالث وبالتالي فإن مواصلة النضال من أجل فكرة الكونية مسألة أساسية.
كما شدّد على ضرورة مواصلة النضال من أجل دولة القانون مع شركاء محلّينن والاستفادة أو التكيّف مع الوضع من خلال استخدام أمثل للموارد البشرية والتكنولوجية والإبداع في هذه القضايا، الأمر الذي يمثّل ضرورة مهمة في بقاء واستدامة المجتمع المدني، وفق تقديره.
وختم يسري مصطفى بالقول إنّه كلّما تمّ التخصّص في مجال معيّن يساعد ذلك في خلق أثر أفضل وتحقيق إنجازات والارتباط بالمجتمعات المحلّية وهي مسألة تعدّ ضرورة كبرى لأنّه يعطي مشروع للمنظمات في المجتمع، مضيفا أنّه حتّى لو توفّرت هذه الشروط فهي ليست ضامنة باعتبار أن الأمر مرتبط بعوامل أخرى وصراعات ومؤكدا ضرورة أن يفهم المجتمع المدني أنه لا توجد عقلية خارجية توجّه كلّ شيء.
عبد الباسط بن حسن: الديمقراطية ضمانة لقيام فضاء مدني مستدام
قال رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بن حسن إن قضيّة الاستدامة مسألة حتميّة للبقاء الإنساني وفكرة الاستدامة مرتبطة بإدامة الحياة، وهو ما يتعارض مع مفهوم القابليّة للكسر والتراجع والهدم والفناء، مؤكّدا أنّ الاستدامة ضرورية وحتميّة للمجتمع المدني والفضاء المدني اللذين يحملان مجموعة من المبادئ الايتقية والأخلاقية.
وأضاف بن حسن أن المجتمع المدني هو الذي يحمل مشروع دولة القانون ويحمل مشروع الحوكمة والشفافية والمسؤولية المشتركة وغيرها من القضايا وهي أسس أساسية لفكرة الاستدامة، باعتبار أن المجتمع من المفترض أن يتّجه نحو دولة القانون والسلم الأهلية وبناء المشترك والعيش معا والتنمية الإنسانية والمستدامة، ولا يمكن أن يكون المجتمع مستداما دون مجتمع مدني وفضاء مدني مستدام.
وشدّد على أن وجود مجتمع متحضّر وآمن ومزدهر يقوم على العيش المشترك والمشاركة والمواطنة وليس على الإخضاع والعنف والهيمنة واستدامته لا يمكن أن تتمّ دون وجود فضاء مدني مزدهر ومجتمع مدني بكلّ مؤسساته مزدهر أيضا.
واعتبر أنّ هناك لعبة كبيرة قامت عليها كلّ أساطير ومحاولات منع قيام فضاء مدني في مجتمعاتنا، ومن بين هذه الأساطير مسألة التمويل وهي طيرة جدّا، مضيفا أن هناك 3 مواضيع أساسية دائما ما يتمّ استعمالها لضرب حقوق الإنسان وهي حقوق النساء والأقلّيات وفكرة التخوين والتمويل الأجنبي.
وأردف بالقول إن حقوق الإنسان في الأصل ليست مجرّد قوانين بل هي مراجعة ونقد لعلاقات الهيمنة والسلطة، موضّحا أنّ ما وقع هو أوّلا تقديم هذه الجمعيات على أنّها نبتة غربيّة وجديدة على المجتمعات العربية في حين أنه بالعودة إلى الدراسات نجد أن الفضاء المدني في معناه الشامل ظهر في البلدان العربية أحيانا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
وبيّن أنّ هذه الهبّة الكبيرة قامت على مجموعة من الرغبات حيث أُسّست النقابات والجمعيات في بلداننا منذ عشرينات القرن الماضي من أجل الخروج من فكرة المجتمع الأهلي إلى المجتمع المدني والخروج عن سيطرة المستبدّ الواحد أو القبيلة أو القرية أو الأمير، مضيفا أنّه حينها تكوّنت شعارات حول هذا الجسد الجديد وهو الفضاء المدني، للمطالبة بدساتير وبرلمانات وتحرير المرأة والتعليم الحديث وتحرير الشعب من الاستعمار وغيرها من المسائل الكبيرة.
وتابع موضّحا أنّه عندما بعد تحقّق الاستقلال في البلدان العربيّة وتكوّنت النخب الجديدة سرعان ما تمّ التحوّل إلى الاستفراد بالرأي الواحد والفكر الواحد إما عن طريق الجيش أو الحزب الحاكم، وكان لا بدّ من وضع هذا الكائن ذو القيمة، وهو الفضاء المدني، تحت السيطرة دائما، ولهذا نشأت على مدى عقود لعبة من نوع ما، إذ يتمّ إطلاق بعض الحرّيات ومن بينها حرّيات العمل للجمعيات ثمّ سحبها عن طريق القوانين والسياسات والتخوين والفكر والثقافة الاجتماعية، وبقي الوضع بين كرّ وفرّ، ممّا جعل البلدان العربية تُحرم لا من دولة القانون وسلطات تقوم على المحاسبة والبحث العلمي والتعليم بل حرمت أيضا من قيام فضاء مدني، وفق تصريحاته.
وقال عبد الباسط بن حسن أن الحديث عن فكرة التمول الأجنبي هي أداة تظهر وكأنها من أجل ترشيد هذا المجتمع المدني ولكنّها في الحقيقة موجودة من أجل مزيد لجم المجتمع المدني وعدم الاعتراف به والنظر إليه بشكل تخويني دون أن يتمّ النظر إلى فكرة الموارد كجزء يمكن أن يتيح للفضاء المدني أن يحقق استدامته.
وأضاف أن الحقّ في التمويل بكلّ أنواعه هو حقّ من حقوق الفضاء المدني والجمعيات بما فيه التمويل الأجنبي ولكنّه حقّ يتحمّل مسؤولية ألّا يرتبط هذا التمويل بأجندة ضدّ الأمن العام ولا يمكن أن يكون مشبوها ويجب أن يُصرف بشكل مسؤول، معتبرا أنّه عوض استعمال هذه المفاهيم من أجل تمويل هذا المجتمع المدني وإتاحة إمكانية استمراريته تمّ استعمالها كي يبقى المجتمع المدني يعيش من أجل الصراع والبقاء وبقي هناك قوانين تبيح نوعا ما العمل المدني ثمّ تأخذ بيد ما أعطته بالأخرى ومازالت النظرة إلى المجتمع المدني كجسد غريب عن المجتمع، مما جعلنا نضيع فرصا كبيرة ومازلنا نضيع هذه الفرص، على حدّ قوله.
وأوضح أنه من بين هذه الفرص إمكانية بناء مجتمع يقوم على المواطنة، متسائلا بالقول “كيف سنبني مجتمعا يقوم على المواطنة دون أن نقوم بعمل عميق حضاري حول مسؤولية فكرة منع التمييز والمساواة والمشاركة والإدماج وحرّية التعبير وثنائية الحقوق والواجبات؟ كيف نبني تنمية إنسانية مستدامة والإنسان مقيّد؟ كيف سنصلح التعليم في حين أنّ هناك طاقات كبيرة في المجتمع المدني تُلجم أفواهها عن المساهمة في تغيير هذا التعليم أو إصلاحه؟”.
وتابع “كيف سنتحدّث عن عدالة بين الجهات في حين أنّنا ننسى أن الجهات يجب أن تشارك وأن تكون جزءا من التنمية وغيرها؟ كيف يمكن أن نتحدّث عن بناء مستقبل جديد في مجال البيئة والحفاظ على البيئة والعمل والتغيّرات المناخية في حين أننا لا نطلق العنان للتجارب المدنية في هذا المجال؟ ثمّ كيف يمكن أن نتحدّث عن سلم أهلية في حين يشعر الناس أن توزيع السلطة والعلاقة بين مختلف مكوّنات المجتمع تقوم على الهيمنة والقصر ولا تقوم على المشاركة ولا تقوم على المسؤولية المشتركة والحوكمة وغيرها والتي لا يمكن أن تكون كاملة إذا ألغينا دور الفضاء المدني والمجتمع المدني؟”.
واعتبر رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان أن موضوع التمويل هو عنصر لمسألة أعمق وهي رؤية السلطة، مبينا أنه في تصوّرات العديد من صنّاع القرار وصانعي السياسات يوجد نوع من الغموض ولم يقع الانتقال في العقلية المجتمعية من فكرة المجتمع الأهلي نحو المجتمع المدني.
وأوضح أنّ هناك فرقا شاسعا بينهما فالمجتمع الأهلي هو مجتمع نتابع وينشأ في أحضان السلطة وتُعطى له مهام، مضيفا أنه “نحن أحيانا دون وعي نستعيد هذه النقاشات، هو مجتمع وظيفي ونحن أحيانا نستعيد هذا النقاش، مثلا عندما نقول إن المنظمات الحكومية سلطة اقتراح فذلك يستبطن نوعا ما أن السلطة تعطي له الأدوار في حين أنّ هناك تنوّعا كبير في أدوار المجتمع المدني، وعلى أي بلد يريد أن يكون له هذا الفضاء المدني الحيّ والذي يضمن استدامة وتنمية المجتمع أن يقبل أن يكون جسد الفضاء المدني متنوعا ومتعددا ويجمع بين الخدمات والنقد وتفكيك أسس نقدية للسياسات وغيرها”.
وأكد ضرورة مراجعة الرؤية حول هذا الموضوع، مشيرا إلى خطر آخر يتمثل في حصر فكرة الاستدامة في فكرة الموارد وخاصّة الماليّة والتناسي أن الاستدامة أساسا هي استدامة الرؤية والاستراتيجيات والبرامج والأثر على المجتمع ومن ثمّ تأتي استدامة الموارد وبذلك وقع حصر النقاش من حيث لا نشاء في مسألة التمويل.
وأضاف أنه لم يقم أحد خاصة على مستوى صناعة القرار السياسي بإعطاء بنية تحتية للمجتمع المجتمع المدني، حيث وقع حرمان المنظمات من التمويل العمومي وحرمانها من فرص البحث عن التمويل داخل المجتمع لأسباب عديدة، ومن ثم مهاجتمتها بتعلّة ارتهانها للأجنبي.
وذكّر بن حسن أنه من أكبر الإنجازات التي تحقّقت في البلدان العربية كان للمجتمع المدني في معناه الشامل دور كبير في فيها، من نقابات ومنظمات غير حكومية وإعلام، وكان لها دور هام في التأسيس لمسائل إيجابية وهناك تنوّع كبير ومنجز مهم ولكنه في المقابل يتحمل مسؤولية أن يفكّر في ذاته ويخرج من عزلته.
وبيّن أن ذلك يستوجب التفكير في رؤاه وارتباط هذه الرؤى بفكرة تغيير المجتمعات وأن يفكر في استراتيجيات وقدرة على بناء برامج لها أهداف يمكن أن تكون واقعية ويقع إنجازها، كما أن المجتمع المدني مطالب بالشفافية وبأن يدمج الناس في رؤاه واستراتيجته وطرق عمله وحوكمة عمله.
وخلص عبد الباسط بن حسن إلى وجود عديد الأشياء التي يمكن البناء عليها إذا كان هناك رغبة في بناء مجتمع متعدد يتجه نحو دولة القانون والتنمية الإنسانية المستدامة ولكن هناك جوانب نقدية طرق عمل المجتمع المدني.
وأكد أنه لا يمكن المطالبة بمجتمع مدني تتأسس فيه استدامة للحوكمة والأثر والشفافية والفاعلية إذا لم يُوفّر له الإطار الذي يقوم على الاعتراف النهائي داعيا إلى الاعتراف به في القانون والسياسات والحق في الوصول إلى الموارد والكفّ عن استعمال القانون لضرب المجتمع المدني.
كما طالب بإمكانية العمل السلمي دون التعامل معه بقوة وإكراه وبأن يكون المجتمع المدني جزءا من المشاركة في وضع القوانين والسياسات وله الحق في نقد السياسات وفي الاقتراح وله الحق أيضا في كشف الحقيقة، مؤكدا كذلك ضرورة تربية الأطفال على هذا ونزع أفكار الكراهية والإقصاء والتكفير نهائيا من مجتمعاتنا إذا أردنا بناء مجتمع يقوم على الأمن والخروج من فكرة الخوف والهيمنة.
وأشار عبد الباسط بن حسن إلى ضرورة إعادة تشكيل منهجيات عمل جديدة ولغة جديدة تؤكد على أن المجتمع المدني جزء من بناء الكونية والخروج حقيقة من فكرة جلد الذات واعتبار كلّ ما يقع إنجازه في الفضاء المدني أو المجتمع المدني ثمرة “هيمنة غربية”.
وشدد على ضرورة إعادة الاعتبار للمشاركة العربية في بناء الحداثة وبناء هذا الفكر الكوني الإنساني مما سيذيب بعض الإشكاليات في علاقة بقضية دولة القانون والاعتراف بالفضاء المدني والاستدامة وغيرها، فضلا عن ضرورة إعادة تأسيس وتأصيل هذه الأفكار.
واعتبر أنه خلال العقود الأخيرة كان هناك منجز حقيقي يتمثل في كون خطاب حقوق الإنسان أصبح جزءا من الخطاب وبات هناك تنوّع كبير على مستوى منظمات المجتمع المدني وهناك مواضيع أساسية تطرح اليوم وبقوة مثل التغيرات المناخية والسلم والهزة الكبرى للكون والضمير الإنساني مع الإبادة الحاصلة في غزة، إضافة إلى التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وأردف بالقول إنه في نفس الوقت هناك تنامي للقضايا والتفكير في المستقبل وفي مستقبل التعليم والعدالة والبيئة، وفي الوقت ذاته هناك تحديات كبرى تطرح حول شكل التنظم المجتمع وشكل ممارسة السلطة الذي يمكن أن يساعد على التوجه نحو الحلول السلمية والجماعية التي تسير نحو التنمية الإنسانية المستدامة لا نحو التوحش والعنف.
وختم بن حسن بالقول إن هناك فرصة حقيقية اليوم لحوارات كبرى في مجتمعاتنا تضمّ الجميع، حوارات بين صنّاع القرار وصانعي السياسيات والمجتمع المدني وهي دامجة وقادرة على إعادة تعريف العقد الاجتماعي الذي يجمعنا، مؤكدا الحاجة إلى القيام بهذا بعقلية سلمية تشاركة والإحساس بالمسؤولية الجماعية للتوجه نحو بناء هذا الأفق الجديد الذي سينهي هذه الصراعات ولغة الإقصاء التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى العجز الجماعي.