استضاف برنامج آفاق مدنيّة في حلقته الأولى من الموسم الثاني المناضل الحقوقي المخضرم أحمد كرعود والمحامية والناشطة الحقوقية في جمعية النساء الديمقراطيات في تونس هالة بن سالم لمناقشة موضوع الحوار العابر للأجيال صلب الفضاء المدني.
وقد تمّ خلال البرنامج مناقشة مختلف الجوانب التي تهمّ تحديات المجتمع المدني في تونس والمنطقة العربية بين الأجيال المتعاقبة سواء في علاقة
بالحوكمة و الدمقرطة و الفاعلية والاستقلالية والإطار التشريعي ومناخ الحريات والتكامل بين الجيل القديم والجيل الجديد وغيرها من المسائل.
أحمد كرعود: الحرية مقوّم أساسي للنضال في الفضاء المدني
قال الناشط المدني والحقوقي أحمد كرعود إنّ حوار الأجيال مهمّ لاستمرارية الحراك من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان ضدّ المظالم التي نراها يوميّا مؤكدا أن استمرارية هذا الحراك لا يمكن أن تتمّ إلا من خلال التضامن والتآزر بين الفاعلين من أجل هذه الحقوق بقطع النظر عن خبراتهم ومواقعهم.
وأضاف كرعود أنّ فئة واحدة لا يمكنها بمفردها التصدّي للمظالم والتحدّيات المتعلّقة بحقوق الإنسان ولهذا لا بدّ أن يكون هناك حوار وتلاق وتضامن وتآزر، مبرزا أنّ بعض الأشخاص يتمتّعون بالخبرة والبعض الآخر يتمتّع بحماسة الشباب وهذان الخطّان يسيران معا.
وأشار إلى أنّ الخبرة ليست مرتبطة بالسنّ ولكنّ بالتجربة التي يتمّ استخلاص الدروس منها، مشدّدا على أنّ استمرارية الحراك الحقوق تتطلّب تضامن أجيال المدافعين.ـات عن حقوق الإنسان.
وبيّن أنّ هناك جيلا ابن عصره يستعمل الوسائل التكنولوجية ويتناول قضايا اليوم مثل البيئة والمناخ والجندر والأقليّات وليس لديه تابوهات، معتبرا أن الاهتمامات تغيّرت ولم يعد لدى الجيل الجديد عائق أيديولوجي، ولافتا النظر إلى أنّه في المقابل لا توجد سلاسة في تقبّل الاختلاف خاصّة وأنّ الجيل القديم لا يتقبّل هذا الاختلاف بسهولة وأنّ هناك أطروحات جديدة تمسّ العديد من القناعات.
وأكّد الناشط المدني والحقوقي ضرورة إيجاد توازن بين الطرفين.
من جهة أخرى، اعتبر أحمد كرعود أنّ ما حدث في 2011 في تونس وليبيا ومصر واليمن والمغرب والبحرين نقلة تاريخيّة، إذ كانت المنطقة مستقرّة لسنوات تحت الاستبداد وتحت عائلات متحكّمة في مفاصل الدولة والخيارات إلى أن قامت انتفاضة استمرّت في تونس لسنوات وخلقت مناخا نسبيّا من حرّية التعبير والصحافة والتنظّم.
وأوضح أن هذا المناخ هو الذي يتطوّر في إطاره الفضاء المدني، مبيّنا أنّه دون حرّية تعبير ودون حرّية صحافة وإعلام ودون حرّية تنظّم لا يمكن الحديث عن فضاء مدني.
وأردف بالقول إنّه من الطبيعي خلال السنوات الـ10 التي تلت الثورة أن يتواجد جيل جديد هو ثمرة الثورة، مشيرا إلى المرسوم 88 المنظم للجمعيات والذي يعدّ نموذجيّا في العالم ويسمح لـ3 أشخاص فقط أن يكوّنوا جمعية وينشطوا تحت إطار القانون، ممّا أدّى إلى إحداث عدد كبير من الجمعيات، الأمر الذي عاد بالنفع على المجتمع التونسي وخلق كفاءات شابة على عكس ما يدّعيه الخطاب السائد.
وبيّن أنّ هناك العشرات من الشباب سواء في الجمعيّات التي تراقب الانتخابات أو التي تكافح الفساد أو تناضل من أجل البيئة أو في الإعلام الجمعياتي، وكلّ هذا يدلّ على أنّ مناخ الحرّية يبني إطارات جديدة ويطوّر طاقات جديدة لفائدة المجتمع.
على صعيد آخر، أكّد أحمد كرعود أنّ الحوكمة الفعّالة والديمقراطية لمنظّمات المجتمع المدني والفضاء المدني تزيد من قوّتها وصلابتها للتصدّي للتحدّيات، مشيرا إلى أنّ التحدّيات كانت دائما موجودة وليست وليدة اللحظة.
وشدّد على أنّ استقلالية الجمعيّات والمنظمات عن السلطة من جهة وعن كلّ سلطة خارج إرادة الجمعيّة أو المنظّمة هي نقطة أساسية في حوكمة هذه المنظّمات، مضيفا أن الحوكمة تشترط أيضا الديمقراطية إذ لا بدّ من وجود قانون أساسي يقع احترامه وإجراء انتخابات دوريّة وإعداد التقارير الماليّة والأدبيّة وتقديمها للسلطة والعموم. كما لا بدّ من السماح لكلّ من تتوفّر فيه الشروط بالترشح للهيئات القيادية داخل الجمعية وضمان حرّية التعبير داخل هذه المنظمات، وفق المتحدّث ذاته.
واعتبر كرعود أنّ فاعليّة منظمات المجتمع المدني تقوم على عنصرين، وهما التطوّع والاحترافية في العمل المدني، لافتا إلى تجربة منظمة العفو الدولية التي تضمّ 10 مليون متطوّع من كلّ أنحاء العالم ومئات الموظفين.ـات من مختلف المجالات والاختصاصات.
وختم الناشط الحقوقي والمدني بالتأكيد على ضرورة تخصيص الوقت والموارد لتكوين المحامين الشبان وتدريبهم كي يحملوا مشعل الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان.
هالة بن سالم: المجتمع المدني رافعة للتنمية وحقوق الإنسان
قالت المحامية والناشطة الحقوقية هالة بن سالم إنّ الصراع الجدلي بين الشبيبة والنسويات داخل الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أعطت زخما إيجابيا للجمعية التي طرحت عنوانا كبيرا هو “تشبيب الجمعيّة” وهو عنوان مازال مطروحا من هيئة مديرة إلى أخرى وحتّى في مشاريع الجمعية.
وأضافت بن سالم أن هذا الزخم أعطى أيضا نتائجه الإيجابية من خلال تأسيس الجمعية للجامعة النسوية إلهام المرزوقي التي تضم شبانا وشابات لتكوينهم.ـن في مجال الحقوق الإنسانية للنساء وحقوق الإنسان بصفة عامّة، إلى جانب الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والمسائل السياسية.
وأوضحت أنّها لا تعتبر أنّ هناك صراع أجيال داخل جمعية النساء الديمقراطيات بقدر ما هو زخم فكري تُطرح فيه مسائل جديدة، مبرزة أن هناك مواضيع وقع طرحها لم تكن على الطاولة في السابق خاصّة مع زمن التأسيس وأنّ اليوم هناك رهانات تختلف عن تلك التي كانت موجودة في فترة الثمانينات والتسعينات، مستدركة بالقول إنّ الحاجة مازالت موجودة إلى خبرة المؤسّسات.
على صعيد آخر، اعتبرت هالة بن سالم أنّ دور المجتمع المدني في تونس لا يقتصر على الدفاع عن الحقوق والحرّيات ولكن أيضا يتقاطع مع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية ويدافع عن المصالح الجمعيّة والفردية، ويساهم في خلق الثروة خاصّة أنّه يوفّر أكثر 40 ألف موطن شغل.
وأشارت إلى حملات شيطنة المنظمات والجمعيات الحقوقية بهدف مزيد التضييق على الفضاء العامّ وخاصّة الفضاء المدني، مذكّرة أن الجمعيّات اليوم تقوم بدور مهمّ جدّا خاصّة في تقديم خدمات للصالح العامّ في ظلّ غياب الدولة وتخلّيها عن مسؤولياتها مثل الخدمات المتعلّقة بالإعانة العدلية والتربية والثقافة إلخ.
وبيّنت الناشطة الحقوقية أنّ هناك العديد من المشاريع التي تستهدف الفئات المهمّشة مثل العاملات في القطاع الفلاحي والنساء ضحايا العنف والأشخاص ذوي الإعاقة والأشخاص دون مأوى وأفارقة جنوب الصحراء، هذا إلى جانب الجمعيّات التي تنشط في مجالات ليس لها علاقة بالمجال الحقوقي مثل الجمعيّات الخيريّة وتلك ذات البعد الثقافي والتربوي.
واعتبرت بن سالم أنّ الخطاب الرسمي أصبح يشيطن المجتمع المدني والناشطين.ـات في المجتمع المدني والحقوقيين.ـات، فضلا عن خطاب التخوين والتآمر، مشيرة إلى أنّه لا يمكن الحديث عن تبييض أموال وأموال أجنبية باعتبار أنّ هناك لجنة التحاليل المالية وخضوع كافة الجمعيات للمرسوم 88 ولرقابة البنك المركزي، علاوة على تقارير محكمة المحاسبات، وكذلك باتت الجمعيات خاضعة لقانون السجلّ الوطني للمؤسسات.
وأردفت بالقول إنّه من المفروض أنّ آليات الرقابة موجودة ومتوفّرة وإذا عجزت الدولة عن ممارسة هذه الرقابة لا تتحمّل الجمعيات أو الأفراد مسؤولية ذلك.
وأكّدت أنّها مع الشفافية ومع أن يكون هناك دعم من الدولة للمنظمات والجمعيات من خلال التمويل العمومي، مفيدة أن عديد الجمعيات التي تعمل على توفير مراكز الإيواء للنساء ضحايا العنف والتي تعمل تحت إشراف وزارة المرأة تعاني من صعوبات مالية جرّاء الدعم المالي العمومي، إذ يبقى الموظفون دون رواتب لأشهر، بالإضافة إلى تردّي الأوضاع في مراكز الإيواء هذه.
وأضافت هالة بن سالم أن المراد من الدولة أن تتحمّل مسؤوليتها أو تفعل ذلك باستمرار وتواصل في الالتزام بتعهّداتها، باعتبار أن المجتمع المدني هو قطاع حيوي ورابط بين السلطة والفرد ولا بدّ من توفير الآليات والموارد والمناخ لضمان استمراريته خاصّة وأن هناك اليوم إرادة للسيطرة على المجتمع المدني بطريقة أو بأخرى، على حدّ قولها.
وأشارت إلى محاولات ضرب المرسوم 88 من خلال طرح مشروعي قوانين لتغييره بهدف بسط اليد على المجتمع المدني.
من جهة أخرى، أكّدت بن سالم أنّ الاحترافيّة في المجتمع المدني جيّدة ومحبّذة خاصّة وأنّ الجمعيّات انفتحت وأصبح لديها أكثر من مشروع وتعمل مع عديد المنظمات، مشددة في المقابل على أن النضالية والتطوّع مطلوبان ويبقيان ضروريّان.
وأوضحت أن توجّه الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات هو ألّا تكون في تبعيّة لأي جهة كانت في علاقة بالتمويلات، مفيدة في المقابل أن جمعية النساء الديمقراطيات تعدّ من المؤسسات الصغرى والمتوسطة حيث تشغّل ما بين 18 و20 شابّ/ة.
وشدّدت على أهمية الاحترافية في العمل المدني ولكن دائما بعقليّة حقوقية ومقاربة حقوقية ومع الحفاظ على النفس النضالي بعيدا عن الحسابات الضيّقة، مبرزة أنّه في بعض الأحيان يقع الحديث عن مشاريع تدار فقط لجلب الأموال بمنطق الزبونية.
وأكدت هالة بن سالم على مواصلة النضال كي لا يقع السقوط في الاستبداد مرّة أخرى وضرورة الإيمان بالقضايا التي ندافع عنها.
وختمت بالقول “نحن أحياء وباقون وللحلم بقيّة.. مازلنا ندافع عن أنموذج الدولة الوطنية الديمقراطية والدولة الاجتماعية التي تؤمن بالمساواة بين المواطنين والمواطنات وبين الجهات.. لا يجب أن نتوقف ونشعر بالإحباط أمام كلّ محاولات تدجين المجتمع المدني وشيطنة الحراك السياسي والمدني”.